التخطي إلى المحتوى

في قلب العاصمة المصرية، حيث تتداخل أحلام الاستثمار العقاري مع واقع الخيبات، يتحول “مول الشروق” من رمز للازدهار الاقتصادي إلى قنبلة موقوتة تهدد بتفجير ثقة آلاف المستثمرين.

ومشروع يفترض أنه كان سيصبح مركزًا تجاريًا نابضًا بالحياة، يجمع بين المحلات والشقق والفيلات، أصبح اليوم مصدرًا للندم والغضب، وشكاوى جماعية تتزايد يومًا بعد يوم، تتهم شركة “مصر إيطاليا” للاستثمار العقاري بتأخير تسليم المشروع لسنوات طويلة، وعدم دفع أي عوائد على الحصص المشتراة، مما دفع عشرات العملاء إلى رفع دعاوى قضائية أمام محكمة القاهرة الجديدة.

وهذه ليست قصة فردية، بل أزمة جماعية تكشف عن ثغرات في سوق الاستثمار العقاري المصري، وتثير تساؤلات حول مساءلة الشركات الكبرى أمام ضحاياها.

الحملة التسويقية التي ابتلعت مدخرات العمر

وبدأت القصة قبل نحو تسع سنوات، في عام 2016، عندما أطلقت “مصر إيطاليا” حملة تسويقية مكثفة لمشروع “مول الشروق”، وكان الوعد مغريًا: استثمار في حصص تجارية أو سكنية بأسعار تبدأ من مئات الآلاف من الجنيهات، مع ضمان تسليم المشروع في غضون ثلاث سنوات فقط، أي بحلول عام 2019. ولم يتوقف الأمر عند التسليم، فقد وعدت الشركة بعوائد مالية منتظمة على تلك الحصص، بالإضافة إلى إدارة المول مقابل نسبة 20% فقط من الأرباح المتوقعة.

وكانت الإعلانات تروج لـ”فرصة ذهبية” في سوق عقاري يشهد نموًا سريعًا، مستفيدة من حماسة الطبقة الوسطى للاستثمار في أصول ثابتة وسط تقلبات الاقتصاد المصري.

وآلاف الأشخاص، من موظفين بسيطين إلى رجال أعمال، هرعوا لشراء حصص في محلات تجارية، شقق سكنية، أو حتى فيلات فاخرة، آملين في عائد يغطي مصاريفهم اليومية أو يبني مستقبلهم المالي.

الموعد الذي تبخر مع الهواء

ولكن السنوات مرت، والوعود تحولت إلى سراب، وبحلول عام 2019، الموعد المحدد للتسليم، لم يسمع صوت حفارات أو إعلانات افتتاح، وبدلاً من ذلك، بدأت الاتصالات الهاتفية من “مصر إيطاليا” تتأخر، ثم تقلصت، وأخيرًا توقفت تمامًا.

والعملاء، الذين دفعوا مبالغ هائلة – تصل إلى ملايين الجنيهات في بعض الحالات – وجدوا أنفسهم أمام جدران من الجدل والتبريرات.

مصر إيطاليا

صرخات المتضررين

وتحدث أحد المتضررين الذي فضل عدم الكشف عن اسمه خوفًا من الضغوط، في شهادة نشرتها صفحة فيسبوك شهيرة بين المتضررين عن أزمته، وهذا العميل، الذي اشترى حصتين في المول عام 2016، وصف تجربته بأنها “الأسوأ في حياته”.

وقال: “دفعت مئات الآلاف، ولم أحصل على شيء سوى الندم، واليوم، بعد تسع سنوات، أبيع الوحدة بالسعر نفسه الذي اشتريتها به، فقط لأتخلص من هذه المعاناة”.

موجة الغضب الرقمية التي لا تهدأ

وهذه الشهادة ليست استثناءً؛ إنها صرخة تمثل آلاف الآخرين، وفي الآونة الأخيرة، شهدت المنصات الاجتماعية، خاصة فيسبوك وإكس، موجة من المنشورات الغاضبة تحت هاشتاجات مثل #شكاوى_مول_الشروق و#مصر_إيطاليا_خداع.

والشكاوى ليست مجرد تأخير، إنها انتهاك للثقة، حيث لم تدفع “مصر إيطاليا” أي عوائد، ولم تقدم تقارير دورية عن تقدم الأعمال، مما يثير شبهات حول سوء الإدارة.

عشرات الدعاوى في القاهرة الجديدة

ومع تصاعد الغضب، لم يعد الأمر محصورًا في الشكاوى الرقمية، ففي يناير 2025، رفع عشرات العملاء دعاوى قضائية جماعية أمام محكمة القاهرة الجديدة، مطالبين بإلغاء العقود، استرداد أموالهم مع تعويضات عن الخسائر المالية والنفسية.

والدعاوى تتهم “مصر إيطاليا” بانتهاك مواد قانون الاستثمار العقاري رقم 230 لسنة 2023، الذي يلزم المطورين بالوفاء بالمواعيد التعاقدية، بالإضافة إلى مواد القانون المدني المتعلقة بالتعويض عن الضرر.

وحتى الآن، لم تصدر الشركة أي رد رسمي علني، مما يعمق الشكوك.

عندما يصبح الاستثمار الآمن كابوسًا

ولنعد إلى جذور المشكلة: سوق الاستثمار العقاري في مصر، منذ ثورة 2011، شهد القطاع نموًا هائلًا، مدفوعًا بمشاريع عملاقة مثل العاصمة الإدارية الجديدة والمدن الجديدة.

وشركات مثل “مصر إيطاليا”، التي تأسست في أوائل العقد الماضي، استفادت من هذا الزخم، مستغلة الرغبة في الاستثمار الآمن وسط التضخم والتقلبات الاقتصادية.

وبلغ حجم الاستثمارات العقارية أكثر من 500 مليار جنيه في 2024 وحدها، مع تركيز على المشاريع التجارية مثل “مول الشروق”، ولكن هذا النمو جاء مع مخاطر: انتشار الوعود الكاذبة، وغياب آليات حماية المستثمرين.


التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *