أربك صعود الجنيه المصري خطط شركات التطوير العقاري، التي كانت قد بنت تسعير وحداتها على افتراضات تحوطية لمستويات مرتفعة للدولار وصلت في بعض الأحيانا إلى 100 جنيه، الأمر الذي تسبب في وجود معضلة في أسعار العقارات في مصر.
هذا التحول المفاجئ ألقى بظلاله على سوق العقارات، بعدما تقلصت حركة المضاربين الذين مثلوا ما يقارب 60% من الطلب، الأمر الذي أدى إلى تباطؤ المبيعات، تاركا الشركات في مواجهة معقدة مع أزمة تسعير لم تعد مرتبطة فقط بتكلفة البناء، بل ارتبطت بشكل أوثق بهوامش التمويل وأسعار الفائدة، التي خفضها البنك المركزي منذ بداية العام بنحو 5.25% في محاولة لتخفيف الضغوط.
تأثير خفض الفائدة على أسعار العقارات في مصر
ورغم هذا التراجع في أسعار الفائدة، يرى كثيرون أن الأسعار لم تتأثر بالشكل المتوقع، لأن الفائدة نفسها أصبحت المكون الأكبر في معادلة تسعير الوحدات العقارية في السوق المصري.

وفي هذا السياق، وصف رجل الأعمال نجيب ساويرس، الأمر بوضوح، حين أكد أن 70% من أسعار العقارات في مصر تمثل فوائد ناتجة عن فترات السداد الطويلة، بينما لا تشكل تكلفة البناء سوى 30% فقط، معتبرا أن شركات التطوير العقاري تحولت عمليا إلى بدائل للبنوك من خلال توفير التمويل المباشر للعملاء عبر أنظمة تقسيط ممتدة، وهو ما يرفع الأسعار بشكل حاد ويجعلها غير مرتبطة بحركة السوق أو بتراجع تكاليف البناء.
الأزمة أكثر تعقيدا مما تبدو عليه، فبحسب ساويرس، فإن ربحية شركات العقارات نفسها قد لا تتجاوز في بعض الأحيان 1 إلى 2% فقط، بينما تتكبد شركات أخرى خسائر رغم الأسعار القياسية، وهذا التناقض يعكس هشاشة الهامش الذي تعمل ضمنه الشركات، ويطرح تساؤلات حول استدامة النموذج المالي الذي يقوم على تمويل طويل الأجل بدلاً من التسعير المباشر المعتمد على التكلفة.
تأثير أزمة الدولار واستقرار العملة على السوق العقاري
في الخلفية، لعبت أزمة شح الدولار قبل مارس 2024 دورا حاسما، حين لجأت الشركات إلى تسعير وحداتها وفق سعر السوق الموازية الذي وصل حينها إلى 70 جنيها للدولار، ومع تحرير سعر الصرف وتحسن العملة لاحقًا إلى مستوى يقارب 48 جنيها للدولار، لم تنخفض أسعار العقارات كما كان متوقعا، بل بقيت شبه مستقرة عند مستوياتها المرتفعة، لتصبح انعكاسا لتشابك بين السياسة النقدية والسوق التمويلية أكثر من كونها انتاج مباشرا لأسعار مواد البناء.

تراجع أسعار الحديد والأسمنت بلا انعكاس على السوق
والمفارقة أن أسعار الحديد والأسمنت شهدت تراجعات حادة هذا العام، إذ هبط طن الحديد من 60 ألف جنيه إلى نحو 40 ألفًا بانخفاض نسبته 33.3%، كما تراجع سعر الأسمنت من 5 آلاف جنيه إلى نحو 4 آلاف بنسبة 20%، ومع ذلك، لم يتغير سعر الوحدة العقارية بالنسبة للمستهلك النهائي، لأن الفوائد تبتلع معظم الفارق.
وقال محمود جاد، كبير الباحثين في شركة العربي الأفريقي الدولي، إن الخصومات الكبيرة التي تعلنها الشركات العقارية في مصر، في حالة الدفع الكاش، والتي تصل إلى 50%، ليست تخفيضها فعليا، وإنما تعبير عن إلغاء الفوائد المتراكمة على خطط التقسيط الطويلة.
وأشار جاد إلى أن هذه الصورة تعكس في جوهرها أن سوق العقارات المصرية لم تعد تحكمها معادلة التكلفة التقليدية، فالأسعار اليوم تتحرك ضمن شبكة أعقد، تتداخل فيها السياسة النقدية وسعر الصرف وتكاليف التمويل واستراتيجيات الشركات ورغبات المشترين.
وأوضح كبير الباحثين في شركة العربي الأفريقي الدولي، فإن أي إقبال قوي على المشروعات قادر على دفع الأسعار إلى مستويات أعلى، حتى وإن تراجعت بعض عناصر التكلفة، لأن المطورين قد يرفعون الأسعار مقابل تقديم تصميمات معمارية متطورة أو خامات وتشطيبات أعلى جودة.

مستقبل سوق العقارات في مصر بين التراجع والارتفاع
في النهاية، تبدو أسعار العقارات في مصر أمام مفترق طرق، فإذا استمرت أسعار الفائدة في التراجع مع استقرار العملة، قد نشهد إعادة صياغة تدريجية لمعادلة التسعير تعطي المستهلك فرصة للحصول على أسعار أكثر واقعية.
أما إذا ظلت الفوائد المضافة على خطط السداد هي المكون الأكبر في السعر، فإن أسعار العقارات في مصر ستظل مرتفعة بشكل غير مبرر، وسيبقى القطاع في مواجهة معضلة تسعير تعكس أزمة أعمق في هيكل التمويل ذاته.
التعليقات