التخطي إلى المحتوى

شهدت الأسواق التركية، الخميس الماضي، خفضًا غير متوقع في أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي التركي، مما أثار تحذيرات من محللين اقتصاديين حول محدودية هامش الخطأ في السياسة النقدية. وأعلن المركزي خفض سعر إعادة الشراء (ريبو) لأجل أسبوع من 39.5% إلى 38%، متجاوزًا التوقعات التي رجحت تخفيضًا قدره 100 نقطة أساس فقط، في خطوة اعتبرها مراقبون مفاجئة نسبيًا.

وحذر محللو “سيتي جروب” من أن هذا القرار يحتاج إلى تفسير واضح، نظرًا لاستمرار انفلات توقعات التضخم في تركيا. وأكد الخبيران الاقتصاديان إيلكر دوماج وغولتكين إيشيكلار، في مذكرة بحثية، أن استمرار التيسير النقدي في ظل توقعات تضخم مرتفعة يضع البنك المركزي تحت ضغط شديد، ويضيق هامش الخطأ أمام أي انحرافات في السياسة النقدية مستقبلاً.

وأشار التحليل إلى أن معدل التضخم السنوي تباطأ إلى 31.1% في نوفمبر، نتيجة تراجع أسعار الغذاء، لكنه أشار إلى أن التحسن الأساسي في التضخم محدود، إذ أن المؤشرات الأساسية لا تزال مقلقة ولا تعكس تحسنًا كبيرًا في السيطرة على الأسعار. كما أظهرت نتائج المسح الشهري لتوقعات السوق أن التقدير الوسيط لمعدل التضخم لعام 2026 يبلغ 23%، وهو ما يزيد الضغط على البنك لتحقيق أهدافه.

وأكد محللو سيتي جروب أن قرار خفض الفائدة لم يكن مبررًا تمامًا، خاصة أن تراجع التضخم جاء جزئيًا بسبب عوامل خارج نطاق التأثير المباشر للسياسة النقدية، مثل أسعار الغذاء. وأضافوا أن أي استمرار في سياسة التيسير النقدي سيتطلب من البنك المركزي تعزيز مصداقيته وإقناع الأسواق بخططه للسيطرة على التضخم، وهو ما أصبح أكثر تحديًا بعد هذه الخطوة الأخيرة.

من جهته، قال محافظ البنك المركزي التركي فاتح كاراهان، خلال لقائه مع رجال الأعمال في أنقرة، إن البنك ملتزم بالحفاظ على التقدم المحرز في استقرار الأسعار، وأنه سيواصل متابعة تطورات التضخم عن كثب لاتخاذ قرارات نقدية مستقبلية مدروسة. وأكد كاراهان أن البنك المركزي يولي اهتمامًا كبيرًا لمستوى توقعات التضخم لدى الأسر، ويضعها في صميم عملية صنع القرار لضمان استقرار الأسعار على المدى المتوسط.

يأتي هذا التطور في وقت يسعى فيه المركزي التركي للوصول بمعدل التضخم إلى 16% بحلول نهاية العام المقبل، وهو هدف طموح بالنظر إلى المعدلات الحالية والضغوط الاقتصادية المستمرة، بما في ذلك ارتفاع أسعار الطاقة وتأثيرات السوق العالمية. ويستدعي تحقيق هذا الهدف تنسيقًا دقيقًا بين السياسة النقدية والمالية، بالإضافة إلى مراقبة دقيقة لعوامل التضخم المتغيرة.

ويرى مراقبون أن الأسواق التركية ستظل في حالة ترقب حذر لأي تحركات مستقبلية من البنك المركزي، خاصة في ظل المخاطر المرتبطة بتوقعات التضخم وعدم استقرار الأسعار الأساسية. وتبقى قدرة البنك على التوازن بين دعم النمو الاقتصادي والتحكم في التضخم أحد أبرز التحديات في السياسة النقدية التركية خلال الأشهر المقبلة.


التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *