العلاقات السعودية الأمريكية… تحالف الأقوياء – أخبار السعودية
أعادت زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة، ولقاؤه بالرئيس دونالد ترمب، صياغة النقاش حول طبيعة العلاقة بين الرياض وواشنطن، ودفعت كثيرين إلى إعادة التفكير في المفاهيم الساذجة التي ترى العلاقات الدولية من منظور «البيع والشراء». فقد تكرّر السؤال الشعبي المضحك: بكم اشترينا أمريكا؟، وهو سؤال يكشف مقدار الفجوة بين الخطاب الإعلامي العاطفي وبين الواقع الذي يشرحه علم الاقتصاد السياسي ونظريات العلاقات الدولية.
فالعلاقات بين الدول لا تُقاس بحجم التصريحات ولا بمن يستعرض أكثر على المنابر. الاقتصاد الحديث، من آدم سميث إلى روبرت كيوهان، يوضّح أن الدول العظمى لا يمكن «شراؤها»؛ لأن حجم اقتصاداتها يجعل من أي صفقة مجرد نسبة هامشية في محيط هائل. فالاقتصاد الأمريكي، الذي يلامس اليوم حدود 28 تريليون دولار، أكبر من أن يتأثر بصفقات مهما بلغ حجمها، بل إن اقتصاد ولاية واحدة مثل تكساس يماثل اقتصاد دول صناعية كبيرة. ومن هذا المنظور، تبدو فكرة «شراء أمريكا» أقرب إلى المزحة الإعلامية منها إلى التحليل العلمي. ما حدث في الزيارة ليس عملية شراء، بل علاقة تبادل مصالح قائمة على تكامل القدرات بين دولة تملك ثروة واستقراراً وتحوّلات اقتصادية عميقة، ودولة تملك التقنية والصناعة والقدرة التكنولوجية الأكبر في العالم.
ومن زاوية الواقعية السياسية، وهي المدرسة التي تفسّر سلوك الدول وفق منطق القوة والمصلحة، فإن العلاقة بين الرياض وواشنطن هي علاقة تحالف عقلاني بين قوتين تسعيان، كلٌّ بطريقته، إلى تحقيق الأمن والاستقرار. فالسعودية لاعب محوري في أمن الطاقة العالمي وفي توازن القوى مع إيران، كما أنها قوة استثمارية صاعدة تبحث عن تنويع اقتصادها ضمن رؤية 2030. أما الولايات المتحدة فتحتاج إلى شريك مستقر في الشرق الأوسط، قادر على المساهمة في حفظ الاستقرار ومحاربة الإرهاب وتسهيل حركة التجارة والأسواق. في هذا السياق، يصبح لقاء ولي العهد بترمب تجسيداً لمعادلة «المصلحة المشتركة»، لا لمعادلة التبعية التي يروّج لها الخطاب المتطرف في بعض وسائل الإعلام.
أما من منظور الليبرالية الاقتصادية، التي ترى أن المصالح المتشابكة تقلل احتمالات الصراع وتزيد من التنمية، فإن الزيارة مثّلت لحظة نضج في العلاقة الاقتصادية بين البلدين. فالسعودية لا تبحث عن حماية، بل عن شراكات صناعية وتكنولوجية تعزز قدراتها المحلية، وتفتح لها أبواب الذكاء الاصطناعي والصناعات المستقبلية، فيما تحتاج الشركات الأمريكية إلى رأس مال طويل المدى يضمن استمرار الابتكار وتوسيع سلاسل الإنتاج. وهكذا تتحوّل الثروة السعودية والتقنية الأمريكية إلى منظومة تكامل اقتصادي تتجاوز حدود الصفقات الظرفية نحو هندسة المستقبل.
ولعل التغيّر الجذري في خطاب ترمب بعد دخوله البيت الأبيض يعكس ما أشار إليه الأمير بندر بن سلطان حين أوضح أن كل مرشح أمريكي ينتقد الخليج قبل وصوله إلى السلطة، ثم تتغير نظرته عندما يرى خرائط المصالح الأمنية والاستراتيجية. وهو ما ينسجم مع فكرة الواقعية الدفاعية التي تقول إن الوقائع الجيوسياسية تفرض نفسها على الخطابات الانتخابية مهما بلغت حدّتها.
لقد أثبتت الزيارة أن السعودية ليست دولة تبحث عن الاعتراف، ولا دولة «تشتري» نفوذاً، بل قوة إقليمية تفرض حضورها عبر رؤية اقتصادية واضحة وتحالفات عقلانية. كما أثبتت أن الولايات المتحدة، رغم قوتها، لا تستطيع تجاهل شريك بحجم المملكة في ملفي الطاقة والاستقرار. وفي النهاية، يتبيّن أن العلاقة بين البلدين ليست علاقة بيع وشراء، بل علاقة تقوم على مبدأ بسيط وراسخ: تحالف العقل والمصلحة.. لا العاطفة ولا التبعية.
للمزيد من المقالات
اضغط هنا

التعليقات