في خطوة تعيد رسم خريطة النقل في مصر، أعلنت الحكومة عن بدء العمليات التجريبية لشبكة السكك الحديدية فائقة السرعة، التي ستصبح سادس أكبر نظام عالميًا بطول يتجاوز 2000 كيلومتر.
وهذا المشروع الضخم، الذي يعد جزءًا من رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة، يربط المدن الرئيسية من الشمال إلى الجنوب، ويتوقع أن يغطي 90% من السكان في 60 مدينة.
ومع كشف شركة سيمنز عن قطاراتها الجديدة في معرض TransMEA 2025، يبرز هذا التقرير، من بانكير، التفاصيل المحدثة عن تقدم المشروع، الذي يعد نقلة نوعية في البنية التحتية المصرية.
تاريخ شبكة السكك الحديدية فائقة السرعة في مصر
وبدأت فكرة بناء شبكة سكك حديدية فائقة السرعة في مصر عام 2018، تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، كجزء من استراتيجية التحول الرقمي والمستدام في قطاع النقل.
وفي مايو 2022، وقعت الهيئة القومية للأنفاق عقدًا تاريخيًا مع تحالف يقوده سيمنز موبايليتي، بالشراكة مع أوراسكوم للإنشاءات والمقاولون العرب، بقيمة 8.1 مليار يورو (حوالي 8.7 مليار دولار أمريكي).
وهذا العقد يغطي تصميم وإنشاء وتشغيل الشبكة الكاملة، مما يجعلها أكبر صفقة في تاريخ سيمنز.
وبحلول نوفمبر 2025، شهد المشروع تطورات هائلة، ففي سبتمبر الماضي، أكد وزير النقل كامل الوزير أن الخط الأول اكتمل بنسبة 67%، مع التركيز على الربط بين العين السخنة ومرسى مطروح عبر القاهرة والإسكندرية.
وفي الأيام القليلة الماضية، أطلق رئيس الوزراء مصطفى مدبولي الطور التجريبي خلال معرض TransMEA 2025 في العاصمة الإدارية الجديدة، مما يعزز من سرعة التنفيذ نحو التشغيل الكامل في 2026.
الخطوط الثلاثة وتغطيتها الشاملة
وتتكون الشبكة من ثلاثة خطوط رئيسية، بطول إجمالي 2000 كم، مصممة لربط المناطق الحضرية والصناعية والسياحية:

- الخط الأخضر (660 كم): يعرف بـ”قناة السويس على سكك الحديد”، يربط العين السخنة على البحر الأحمر بمرسى مطروح عبر القاهرة والإسكندرية، وهذا الخط، الذي بدأ تشغيله التجريبي في 9 نوفمبر 2025، يدعم نقل الركاب والبضائع، مع زيادة سعة الشحن بنسبة 46%.
- الخط الثاني (1100 كم): يمتد من مدينة السادس من أكتوبر غرب القاهرة إلى أبو سمبل جنوبًا، مرورًا بمناطق صناعية مثل حلوان والمدن الجديدة في الصعيد (مثل نيو مينيا وأسيوط الجديدة)، ويهدف إلى دعم التنمية في الوجه البحري والقبلي.
- الخط الثالث (225 كم): يربط الأقصر بالغردقة، معززًا السياحة من خلال الوصول السريع إلى المواقع الأثرية والشواطئ، وفي أغسطس 2025، أعلنت الحكومة عن تخصيص 1.6 مليار دولار لبناء هذا الخط، مع التركيز على نقل 200 ألف راكب يوميًا و1500 طن بضائع.
وستشمل الشبكة أكثر من 60 محطة، بما في ذلك محطات متكاملة مع المطارات والطرق السريعة، لتغطية 90% من السكان وتعزيز الربط بين المناطق الزراعية الجديدة مثل الدلتا الجديدة وتوشكى.
قطارات سيمنز ومواصفاتها الخاصة
وفي قلب المشروع، تقف سيمنز بتقنياتها الرائدة، ففي نوفمبر الجاري، كشفت الشركة عن قطار فيلارو (Velaro) فائق السرعة لأول مرة أمام الجمهور المصري، خلال معرض TransMEA.
ويصل الفيلارو إلى سرعة 250 كم/ساعة، يتسع لـ489 راكبًا، ومصمم خصيصًا لتحمل ظروف الصحراء المصرية بأنظمة تبريد متقدمة وفلاتر للرمال والغبار، وسيتم توفير 41 قطارًا من هذا النوع.
كما أكمل قطار ديسيرو إتش سي (Desiro HC) الإقليمي أول رحلة تجريبية قرب مستودع السادس من أكتوبر، بسرعة قصوى 160 كم/ساعة، للرحلات القصيرة.
ويشمل الأسطول أيضًا 41 محركًا فكترون (Vectron) لنقل البضائع بسرعة 120 كم/ساعة، وجميع القطارات مجهزة بشاشات تفاعلية، إنترنت، ومنافذ شحن، مع التركيز على السلامة والاستدامة البيئية.
من التجريبي إلى التشغيل الكامل
وحسب التحديثات الأخيرة، بلغ تقدم الخط الأخضر 67%، مع إكمال أعمال الترصيف والكابلات الكهربائية في القاهرة.
وفي 14 نوفمبر 2025، وقعت الهيئة القومية للأنفاق اتفاقية لمدة 15 عامًا مع تحالف ألماني-مصري لإدارة الخط الأخضر، مع ضمان 95% من العمالة مصرية لنقل الخبرة.
وجري اختبار خمسة قطارات فيلارو وديسيرو في ألمانيا، وتم تسليم الأولى في أغسطس 2025، ومن المتوقع تشغيل الخط الأول كاملاً في 2026.
نقلة نوعية لمصر
وسيحدث المشروع ثورة في الاقتصاد المصري، بإنشاء آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة، وتعزيز التصدير عبر ربط المناطق الصناعية بالموانئ.
كما سيقلل أوقات السفر بنسبة 50%، مثل الرحلة من القاهرة إلى الأقصر إلى ساعتين فقط، مما يدعم السياحة في مواقع مثل الأهرامات وأبو سمبل.
وبيئيًا، ستقلل الشبكة الانبعاثات الكربونية بنسبة كبيرة، مساهمة في أهداف مصر للحد من التغير المناخي بحلول 2030.
نحو توسع إقليمي
أعلن كامل الوزير عن خطط لخط رابع يمتد إلى ليبيا، مما يجعل مصر مركزًا لوجستيًا إقليميًا، ومع إكمال الشبكة، ستدخل مصر قائمة أفضل 20 شبكة سكك حديدية عالميًا لأول مرة منذ عقود، حسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي.
وتمثل شبكة السكك الحديدية فائقة السرعة في مصر رمزًا للطموح الوطني، تحولًا يربط الماضي بالمستقبل، ومع استمرار التقدم، ينتظر الملايين عصرًا جديدًا من التنقل السريع والآمن.

التعليقات