التخطي إلى المحتوى

معارض الطيران.. سرديّة الإنسان والجو – أخبار السعودية

منذ بدايات الطيران قبل قرن من الزمان، جاءت معارض الطيران كفكرة لاستعراض ما تملكه الدول من إمكانات، كانت باريس ولندن من أوائل المدن التي احتضنت هذه الفعاليات قبل أن يتحول الأمر إلى تقليد عالمي يجمع سباق السماء على الأرض في تنافس اقتصادي وتقني وعسكري.

أشهر معارض الطيران وأكبرها هو «معرض لوبورجيه» الفرنسي الذي تأسس عام 1909م، يليه «معرض فارنبورو» البريطاني ثم «معرض دبي»، وهناك معارض أخرى مثل سنغافورة والصين والبحرين، كما توجد معارض طيران متخصصة بالمطارات فقط أو الشركات الناقلة، لكنها أقل حضوراً وأكثر تركيزاً على جزئيات محددة.

معارض الطيران الدولية ليست مجرد ساحة تمتلئ بالطائرات وشعارات الشركات، أو صالة تزدحم بأجنحة الجهات المشاركة، لقد تحوّلت في شكلها الجديد إلى فضاءات تلتقي بها حكايات الصناعة مع طموحات الدول، وتُصاغ فيها ملامح المستقبل على مهل فيما تُقدّم خلالها الأفكار بتسارع عجيب، واتضحت أهمية المعارض حين اكتشف العالم أن الصناعة تحتاج منصات تُعرض فيها الرؤى، وتتلاقى عبرها مصالح المصنّعين والناقلات والهيئات، ويتجاوز فيها الحديث حدود القطاع إلى اقتصاديات الدول، وسياسات النقل، ومستقبل التنقل البشري الذي يزداد زحاماً وتعقيداً.

بدأت معارض الطيران تتحوّل من تجمعات مهنية إلى ملتقيات تُعلن فيها تحالفات بمليارات الدولارات، وتكشف من خلالها اتجاهات السوق وضخامة الأساطيل ونوايا الشركات المصنّعة، وآفاق التقنية.

«معرض دبي للطيران» الذي انطلقت نسخته التاسعة عشرة قبل يومين هو نموذج متميّز لهذه التحوّلات، فمنذ انطلاقته عام 1989م وهو يؤكد هدفه كمشروع رؤية أرادت الإمارات من خلاله أن تضع نفسها في قلب الصناعة حتى صار من أكبر المعارض العالمية التي تُقرأ من خلالها مؤشرات نمو الطيران في الكوكب.

أكتب هذا المقال من وسط المعرض (الذي يقام في شهر نوفمبر من كل عام فردي) حيثُ يتقاطع صخب الطائرات مع هدوء غرف المفاوضات، وتختلط فيه رائحة الوقود بالبخور.

هنا يُكتب مستقبل النقل الجوي وتُرسم ملامحه، فالنسخة الحالية تجمع أكثر من 100 دولة وما يزيد على 1,300 جهة عارضة، من كبار المصنعين إلى الشركات الناشئة ومن منظومات الدفاع المتطورة ومقاتلات الجيل الخامس إلى تقنيات الطيران الأخضر، والوقود المستدام إضافة لابتكارات الذكاء الاصطناعي في إدارة الحركة الجوية ومنصات الطائرات الكهربائية والهجينة، وأنظمة الصيانة التنبؤية، والعروض الجوية التي تخطف الأبصار.

إن كل حركة في المعرض تحمل وراءها رسالة عن اتجاهات الصناعة وموقعها في المنافسة العالمية والتحديات التشغيلية في السنوات المقبلة.

شخصياً، لمعارض الطيران عندي ذاكرة خاصة، فقد تشرفت برئاسة اللجنة الإعلامية في النسخة الأولى (والوحيدة) من المعرض السعودي الدولي للطيران عام 2019 في مطار الثمامة بالرياض؛ تجربة كان يمكن أن تصبح محطة سنوية مهمة على خارطة معارض الطيران لولا توقفها بسبب جائحة كورونا، لكنها فتحت نافذة اتسعت لاحقاً لتكون معرض الدفاع الدولي في ملهم الذي وجد مكانه سريعاً بين المعارض العالمية الكبرى.

اليوم، وأنا أتنقل بين أجنحة معرض دبي؛ أشعر أن الطيران ليس مجرد صناعة تتطوّر بشكل مذهل، بل سردية إنسانية مشتركة تنسج العمل والخيال، أشعر أن المعارض صارت نقطة التقاء للأزمنة واللغات والأحلام.. مرآة مصغرة للعالم تعكس تحوّلاته وتعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والفضاء.

للمزيد من المقالات

اضغط هنا

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *