التخطي إلى المحتوى

«الوطنجيّة».. كلمة الانكشاف الأخير.. – أخبار السعودية

حين تصل لغةُ الخطاب إلى درجةٍ يُستخدم فيها مصطلح «الوطنجيّة» كأداة إسقاط أو ازدراء ضد السعوديين، فاعلم أنك أمام نقطة النهاية في الحوار، والنقطة الفاصلة التي تكشف لك بوضوحٍ تامٍّ هوية المتحدث، وأصل أفكاره، ونوعية المبادئ التي يتغذّى منها.

فالكلمة في ظاهرها بسيطة، لكنها في حقيقتها علامةٌ استخبارية الدلالة على انتماء فكريٍّ مريبٍ، وعلى خللٍ في الولاء، وانحرافٍ في البوصلة الوطنية.

مصطلح «الوطنجي» لم يولد في فضاءٍ بريء، ولا خرج من رحم نقاشٍ فكريٍّ صادق، بل خرج من مختبرٍ أيديولوجي مظلم تملؤه النزعة العدائية ضد مفهوم الدولة الحديثة، وضد التحول الوطني الذي تقوده المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز – رحمه الله – وحتى اليوم.

هذا المصطلح كان ولا يزال يُستخدم كـ«رصاصة لفظية»؛ لتشويه أي صوتٍ وطني، وللتقليل من شأن كل من يتبنّى خطاب الدفاع عن الوطن والقيادة.

الذين اخترعوا هذا المصطلح أرادوا أن يُفرغوا حب الوطن من معناه الشريف، وأن يجعلوا الولاء الوطني سُبّة، والانتماء فِعلاً مداناً، وكأن الدفاع عن وطنك تهمةٌ تستوجب الاعتذار.

أرادوا تحويل «الوطنية» من قيمةٍ سامية إلى شبهة، ومن شرفٍ إلى نقيصة، وهذا بذاته أخطر ما في الأمر؛ لأنه يُمثّل تحدياً صريحاً لهوية الدولة السعودية الحديثة، التي قامت على التوازن بين الانتماء الديني والولاء الوطني، في صيغةٍ متفردةٍ جعلت من السعودية نموذجاً عالمياً في الثبات والاستقرار.

من يعرف خلفية هذا المصطلح يدرك تماماً من أين أتى، ومن الذي أشعل فتيله، فقد خرج أولاً من دوائر ما بعد الصحوة، من تلك الجماعات التي انكشفت بعد عام 2017، حين بدأت الدولة السعودية الجديدة مشروعها الإصلاحي العميق بقيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في رؤية 2030، تلك الجماعات بعد أن فقدت نفوذها الفكري والاجتماعي لم تجد سلاحاً سوى التشويه اللفظي لكل من يقف في صفّ الوطن، فصنعت قاموساً مريضاً مليئاً بالمصطلحات السامة مثل «الوطنجي»، و«الذباب»، و«المطبّل»، لتبرير فشلها في مقارعة الحجة بالحجة.

أما الذين روجوا لهذا المصطلح في الماضي، فهم خليطٌ من المتأثرين بالسرديات المعادية للمملكة، بين يساريٍّ خائبٍ يرى في الوطنية تهديداً لأحلامه العقيمة، وبين إخونجي مؤدلج يعتبر أن الولاء يجب أن يكون لجماعته لا لوطنه، وبين قومجيٍّ مغرورٍ ما زال يحنّ إلى شعارات القرن الماضي.

هؤلاء جميعاً اجتمعوا على عدوٍّ واحد: السعودي المخلص. ذلك المواطن الذي يحب قيادته، ويدافع عن بلده، ويرى في أمنه واستقراره أولويةً تفوق كل اعتبارات الجدل.

إن الذين يصفون السعوديين بالوطنجيّة لا يعارضون «تصرفاً» أو «سياسة»، بل يعارضون فكرة الوطن ذاتها، فهم لا يهاجمون الأشخاص، بل يهاجمون الهوية السعودية نفسها، يكرهون وضوحها، واعتزازها بذاتها، واستقلالها عن المشاريع العابرة للحدود. هم أبناء الخطاب الذي يريد سعودية بلا سعوديين، ودولة بلا روح، ومجتمعاً بلا ولاء ولا ذاكرة.

الحقيقة أن هذا المصطلح انقلب على أصحابه، فصار علامة عارٍ فكرية لا يستخدمها إلا من كُشف ستره، ولا يرددها إلا من سقطت عنه ورقة التوت. لأن كل من يهاجم الوطنية السعودية اليوم يضع نفسه تلقائياً في صفٍّ معادٍ، لا يحتاج إلى تحليل أو تأويل، إذ يكفي أن تسمعه ينطق بالكلمة حتى تعرف أنه يقف ضد المملكة، وإن حاول التجمّل بالعبارات المزخرفة.

الوطنية السعودية ليست شعاراً طارئاً، ولا موجة إعلامية كما يتوهمون، بل هي عقيدة تأسيس، وهي امتدادٌ طبيعيٌّ لروح الدولة منذ أن أعلن الملك المؤسس توحيد البلاد على أساس العدل والتوحيد والاستقرار.

هي التي حافظت على وحدة الأرض والإنسان، ورفعت السعودية إلى مصاف الدول الكبرى في محيطٍ يعجّ بالفوضى والانقسامات.

ومن هنا تأتي حساسية الدفاع عنها؛ لأنها ليست «رأياً سياسياً»، بل ولاء وجودي.

حين يهاجم أحدهم السعوديين ويصفهم بالـ«وطنجية»، فهو لا يدرك أنه يعترف ضمناً بأنه من خارج هذا الوجدان، وأنه لا ينتمي إلى السياق الذي يتحدث عنه، بل إنه يحاول أن يعاقب الآخرين على وطنيتهم؛ لأنه يفتقر إليها.

ولذلك.. فكل مرة يُستخدم فيها هذا المصطلح تُرفع الستارة عن وجهٍ حاقد، وتُسقط الأقنعة التي كانت تُخفي الانتماءات العابرة للوطن.

لقد أصبح هذا المصطلح بمثابة أداة قياسٍ دقيقة لمستوى الولاء والانتماء. من يستخدمه، يكشف نفسه من حيث لا يشعر، ومن يردده، يعلن – بلا تصريح رسمي – انفصاله عن وجدان المجتمع السعودي المتماسك حول قيادته.

إنها كلمة النهاية التي ما بعدها حوار؛ لأن من يزدري وطنه، لا يمكن أن يكون له في النقاش نصيب.

إن المملكة اليوم، وهي تسير بثقةٍ نحو المستقبل تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، لا تعبأ بمثل هذه الأصوات الصغيرة، لكنها ترصدها لتعرف أين يقف خصومها.

أما المواطن السعودي الحق، فكلما سمع أحدهم يقول «وطنجي»، ابتسم بثقةٍ وقال: نعم.. أنا وطني، وهذه تهمتي التي أفخر بها.

أخبار ذات صلة

 

للمزيد من المقالات

اضغط هنا

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *