تراجع الثقة! – أخبار السعودية
في عالمٍ تُدار فيه الثروات بالأرقام بعيداً عن العواطف، تتحرك تريليونات الدولارات بصمتٍ عبر الحدود، تبحث عن الأمان واضعة فكرة الأرباح خلف ظهرها. إنها الأموال الحذرة التي آثرت أن تلوذ بالعوائد الثابتة، هاربةً من أسهم النمو إلى السندات، ومن العملات الورقية إلى الذهب. فالمال، حين يفقد ثقته بالمستقبل، لا يٌستثمر، بل يختبئ. منذ أن بدأ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يلمّح إلى مرحلة تخفيف تدريجي في معدلات الفائدة، بدأت الأسواق تُعيد ترتيب أولوياتها؛ عوائد السندات تتراجع، والدولار يفقد بريقه، فيما يعود الذهب إلى الصدارة كأنه يستعيد دوره التاريخي ملاذاً للثقة ومرآةً لقلق العالم. عادت التريليونات الصامتة لتختبر شجاعتها في زمنٍ تتراجع فيه الثقة، وحين يصمت المال، لا يتحدث سوى الذهب بلغةٍ لا تُخطئها الأسواق، وإن تجاهلها صُنّاع السياسة النقدية. كل خفضٍ في الفائدة يعني تراجع تكلفة الاحتفاظ بالمعدن الأصفر، وكل إشارةٍ على تباطؤ الاقتصاد تُنعش الطلب عليه ملاذاً نفسياً قبل أن يكون مالياً، حتى أصبح الذهب اليوم أشبه بصوتٍ يترجم خوف الأسواق حين تصمت المؤشرات.
لكن هذا البحث الحثيث عن الأمان له ثمنه؛ فكل دولارٍ يُكدّس في البنوك هو استثمارٌ مفقود في مصنعٍ أو فكرةٍ أو وظيفةٍ لم تُخلق بعد. وهكذا يتحوّل الحذر إلى دوامةٍ تُعيد إنتاج نفسها؛ الخوف يُجمّد رأس المال، فينكمش النمو، فتعود البنوك المركزية إلى خفض الفائدة من جديد لتُغذي الخوف ذاته الذي تحاول تهدئته. وهنا ندخل في دائرة «فكرة اقتصاد المخاطرة المحسوبة» إلى «فكرة اقتصاد الحذر المبالغ فيه»، حيث تُدار الثروات بعقلية الدفاع، كون السيولة أصبحت تتحرك بدافع القلق أكثر من أي شي آخر.
يعلّمنا التاريخ أن الفترات التي يصمت فيها المال، هي ذاتها التي تنضج فيها الأفكار الجريئة وتولد منها الدورات الاقتصادية الجديدة. وهذا يتضح جلياً من خلال التردد الذي تعيشه الاقتصادات المتقدّمة بين الخوف والانتظار، في المقابل تتحرك اقتصاداتٌ أخرى مثل السعودية والصين والهند لتحويل السيولة الخاملة إلى استثمارٍ منتجٍ ومؤسسي، إيماناً بأن المال لا يستعيد قيمته إلا حين يُستخدم في بناء المستقبل.
أخبار ذات صلة
للمزيد من المقالات
اضغط هنا
التعليقات