في زوايا الشوارع وعلى أطراف الميادين، يقف “السايس” لاعبًا دورًا يتجاوز مجرد تنظيم السيارات، هذه المهنة، التي تبدو عفوية وبلا تنظيم، تمثل نموذجًا صريحًا للاقتصاد غير الرسمي في مصر، بما يحمله من فرص وعشوائية في الوقت نفسه.
“السايس” يخلق اقتصادًا موازيًا قائمًا على تقديم خدمة لا توفرها الدولة بشكل كافٍ: إدارة مواقف السيارات وفي مناطق مثل وسط البلد أو مدينة نصر أو الدقي، قد يصل دخله اليومي من تحصيل الرسوم غير الرسمية إلى أضعاف دخل موظف حكومي، ورغم غياب الفواتير أو العقود، فإن العلاقة قائمة على عرف اجتماعي: “أمان السيارة” مقابل “المعلوم”.
أحيانًا، يتوسع دور السايس ليشمل خدمات أخرى، مثل تنظيف السيارات أو ترتيب بيعها وتأجيرها، وفي بعض الأحياء، يتحول إلى شخصية نافذة يعرف تفاصيل السكان وزوارهم، ما يضعه في قلب شبكة اجتماعية واقتصادية يصعب تجاهلها.
لكن كما هو الحال في “اقتصاد البواب”، فإن اقتصاد السايس يكشف ثغرات واضحة في إدارة الموارد العامة، فغياب تنظيم رسمي لمواقف السيارات أتاح مساحة واسعة لنشوء اقتصاد ظل، يستفيد منه الأفراد على حساب النظام الكلي.
وهذه المهنة تفتح الباب للتساؤل: ماذا لو جرى تقنين نشاط السايس ضمن منظومة ذكية لإدارة المواقف؟ حينها يمكن تحويل ملايين الجنيهات من اقتصاد غير رسمي إلى موارد للدولة، مع تحسين الخدمة وضمان حقوق العاملين.
و”اقتصاد السايس” ليس مجرد ظاهرة اجتماعية، بل مرآة لاقتصاد الشارع المصري، حيث يتفاعل العرض والطلب في أنقى صوره، بعيدًا عن القوانين واللوائح، لكنه حاضر بقوة في حياة المواطن اليومية.
ويظهر السايس في الشارع المصري لفرض “إتاوة” على ركن السيارات أو يقدم نفسه كصاحب سلطة على الميادين، وهذه الشخصية تحمل دلالات اجتماعية واقتصادية مهمة، إذ تجسد كيف يمكن لمهنة غير منظمة أن تصنع لنفسها نفوذًا داخل المجتمع.
ومن زاوية اقتصادية، يمكن اعتبار “السايس” أحد رموز الاقتصاد غير الرسمي في مصر، حيث دخل يومي بلا فواتير، وخدمات بلا تراخيص، وعلاقات قائمة على العرف أكثر من القانون وبذلك يصبح “اقتصاد السايس” مرآة واضحة للاقتصاد الموازي الذي تعيش عليه شرائح واسعة من المصريين، وتتعامل معه الدولة أحيانًا بالتجاهل وأحيانًا أخرى بمحاولات التنظيم.
التعليقات