التخطي إلى المحتوى

صبّها بحنان وافتتان.. القهوة فنجان العالم – أخبار السعودية

في يومها العالمي، تقف القهوة كأيقونة مشتركة بين الثقافات، كأنها اللغة التي يتحدث بها البشر حين تضيق بهم لغاتهم. هي ليست مجرد شراب، بل طقس يومي يوقظ فينا معنى الانتظار، ويعيد ترتيب أفكارنا على مهل. كل فنجان منها يختصر رحلة من المزار البعيد إلى المائدة القريبة، حاملاً رائحة المطر الأولى وصوت الحصادين ودفء النار التي حمّصت حبوبها، حتى تصل إلينا مكتملة الحكاية.

القهوة اليوم لم تعد حكراً على الصباح، بل صارت رفيقة النهار بأكمله. في المقاهي يجتمع الأصدقاء، وفي المكاتب تُحتسى على عجل، وفي البيوت تقدَّم كرمز أصيل للضيافة. هي ما يسبق الحديث في المجالس، وما يفتتح به الشعراء قصائدهم عن الشوق والمحبّة. قال محمود درويش، وهو يرسم صورة القهوة في قصيدته: «خُذ القهوة إلى الممر الضيق، صبّها بحنان وافتتان في فنجان أبيض، فالفناجين داكنة اللون تفسد حرية القهوة». وكأنه يذكّرنا بأن القهوة ليست شراباً فحسب، بل مساحة حرة، يجب أن تبقى نقية ليكتمل سحرها.

للقهوة قيمة تتجاوز لذّتها؛ فدراسات عديدة تربطها بصحة القلب والدماغ، وتقلل من خطر بعض الأمراض المزمنة، شريطة أن تُشرب بوعي. هي حليف السهر، ورفيقة التأمل، وصديقة الكتب. كم من رواية كُتبت على طاولة تتنفس بخار فنجان قهوة، وكم من قصيدة نبتت كلماتها على حوافّ فنجان صغير. حتى الشعراء غزلوها ببيوت شعر خالدة؛ قال أحدهم:

«يا قهوةَ القلبِ، يا سمراءَ في كبدي

ما زلتِ في كلِّ نبضٍ تشعلين دمي»

وفي الضيافة العربية، تبقى القهوة عنوان الكرم ومفتاح الدار. هي التي تُقدّم أولاً، وتُدار مجالسها بتراتيب دقيقة، وكأنها لغة صامتة للترحيب والاحترام. في كل مرة نرفع فيها الفنجان، نحن نشارك طقساً عتيقاً، ونستعيد إرثاً من التواصل الإنساني الممتد منذ قرون.

في يومها العالمي، ربما علينا أن نتأمل القهوة أكثر، لا بوصفها منبهاً عابراً، بل كجسر صغير يصلنا بالآخرين وبأنفسنا، فنجان بعد فنجان، حتى نصبح نحن والعالم شيئاً واحداً، ينهض مع أول رشفة وينام على آخر قطرة.

أخبار ذات صلة

 

للمزيد من المقالات

اضغط هنا

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *