التخطي إلى المحتوى

في خطوة جديدة تعكس تصاعد حدة النزاعات الاستثمارية في القارة الإفريقية، أصدر مركز تسوية منازعات الاستثمار التابع للبنك الدولي قرارًا ملزمًا يقضي بوقف أي عمليات بيع أو تحويل لليورانيوم المستخرج من منجم “سومير” في النيجر، وذلك بعد أن استولت السلطات الحاكمة في نيامي على المنجم من شركة “أورانو” الفرنسية في وقت سابق من العام الجاري.

ويُعد هذا القرار ضربة قوية للسلطات النيجرية التي كانت تراهن على الموارد الطبيعية – وعلى رأسها اليورانيوم – كأداة لتعزيز اقتصادها المتعثر بعد سلسلة العقوبات الدولية المفروضة عليها منذ الانقلاب العسكري في يوليو 2023. ويعتبر منجم “سومير” واحدًا من أهم المناجم في إفريقيا، إذ يمثل مصدرًا رئيسيًا لإمدادات اليورانيوم العالمية الذي تعتمد عليه فرنسا ودول أوروبية أخرى في تشغيل محطاتها النووية وتوليد الكهرباء.

خلفيات النزاع

بدأ النزاع عندما أعلنت الحكومة النيجرية – التي يقودها المجلس العسكري – إلغاء عقود شركة “أورانو” الفرنسية، مبررة ذلك بأن العقود السابقة “غير عادلة” ولا تحقق مكاسب كافية للدولة. ومنذ ذلك الحين، سعت نيامي إلى إعادة السيطرة على ثرواتها الطبيعية في إطار ما تسميه “استعادة السيادة الوطنية على الموارد”، وهو ما أثار خلافًا حادًا مع باريس، التي تعتمد بشكل كبير على يورانيوم النيجر لتأمين ما يقارب 15% من احتياجاتها النووية.

لكن شركة “أورانو” لم تقف مكتوفة الأيدي، حيث لجأت إلى التحكيم الدولي عبر البنك الدولي، مطالبة بحماية استثماراتها وحقوقها التعاقدية. واعتبرت الشركة أن ما قامت به نيامي يمثل “مصادرة غير مشروعة” لاستثمارات أجنبية محمية بموجب الاتفاقيات الدولية.

تداعيات القرار

قرار البنك الدولي يلزم السلطات النيجرية بوقف أي تعاملات تجارية مرتبطة باليورانيوم المستخرج من منجم “سومير” إلى حين الفصل النهائي في النزاع. ويهدف هذا الإجراء إلى منع تصدير أو تحويل أي كميات من اليورانيوم قد تؤثر على حقوق المستثمر الفرنسي، بما يضمن الحفاظ على الوضع الراهن لحين صدور الحكم النهائي.

ويرى خبراء أن هذا القرار قد يضع النيجر أمام مأزق اقتصادي جديد، حيث يعوّل المجلس العسكري على عائدات الموارد الطبيعية لتعويض التراجع في المساعدات الدولية والاستثمارات الأجنبية، بعد تدهور العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. كما أنه قد يزيد من عزلة البلاد ويضعها في مواجهة مباشرة مع المؤسسات المالية الدولية، مما يهدد فرص حصولها على التمويل والدعم الدولي.

أبعاد جيوسياسية

الأزمة لا تقتصر على بعدها الاقتصادي فحسب، بل تحمل أيضًا أبعادًا جيوسياسية. فالنيجر تمثل مركزًا استراتيجيًا في منطقة الساحل، حيث تتقاطع المصالح الفرنسية والأوروبية مع الحضور الروسي المتنامي. ويرى محللون أن السيطرة على منجم اليورانيوم قد تكون ورقة تفاوضية بيد نيامي في ظل محاولاتها تعزيز تحالفاتها الجديدة مع دول مثل روسيا وإيران، في مقابل تقليص النفوذ الفرنسي التقليدي.

وفي الوقت الذي تسعى فيه فرنسا للحفاظ على أمن إمداداتها النووية، يُتوقع أن يؤدي النزاع إلى إعادة رسم خريطة الاستثمارات في قطاع الطاقة بإفريقيا، مع احتمال دخول لاعبين جدد إلى المشهد في حال استمرار القطيعة بين باريس ونيامي.

يمثل قرار البنك الدولي خطوة مفصلية في مسار النزاع حول منجم “سومير”، ويكشف عن التحديات المعقدة التي تواجه النيجر في إدارة مواردها الطبيعية وسط ضغوط اقتصادية وعزلة سياسية. كما يعكس التوتر المتزايد بين إفريقيا والمؤسسات الدولية حول قضايا السيادة والموارد، في وقت يشهد العالم سباقًا متسارعًا لتأمين مصادر الطاقة الحيوية.


التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *