شهدت الأيام الأخيرة مناقشات موسعة بين الحكومة ممثلة في الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء وأحمد كجوك وزير المالية، حول إطلاق الحزمة الثانية من التيسيرات الضريبية، وذلك في إطار مساعي الدولة لتعزيز الحصيلة الضريبية، وزيادة كفاءة المنظومة المالية، ودعم مجتمع الأعمال عبر حوافز تضمن استقرار السياسة الضريبية وتشجيع الالتزام الطوعي.
الحزمة الضريبية الجديدة تأتي امتدادا للحزمة الأولى التي أقرتها الحكومة في أكتوبر الماضي، والتي حققت نجاحا ملحوظا انعكس مباشرة على الإيرادات العامة للدولة، وأسهمت في تعزيز قدرة الخزانة العامة على الوفاء بالتزاماتها المالية.
نتائج الحزمة الضريبية الأولى
شكلت الحزمة الضريبية الأولى نقطة تحول في مسار السياسة الضريبية المصرية، حيث أسهمت في رفع الإيرادات الضريبية خلال العام الماضي بنسبة 35% لتصل إلى نحو 2.2 تريليون جنيه، بينما ارتفعت الإيرادات العامة للدولة بنسبة 29% لتسجل 2.6 تريليون جنيه.
وبالنظر إلى هيكل الإيرادات، فإن الحصيلة الضريبية تمثل نحو 85% من إجمالي الإيرادات العامة، ما يعكس الوزن النسبي الكبير لها في موازنة الدولة.
وقد ساعدت الحزمة الأولى على تحقيق هذا النمو عبر تسهيلات متنوعة، كان أبرزها السماح بتقديم أو تعديل الإقرارات الضريبية عن الفترة من 2020 حتى 2024 بدون فرض غرامات.
وقد استفاد من هذا البند وحده نحو 650 ألف ممول، وحققت الخزانة حصيلة قدرها 80 مليار جنيه، في دلالة واضحة على استجابة مجتمع الأعمال وحرصه على الالتزام.

ملامح الحزمة الضريبية الثانية
لم تكشف وزارة المالية بعد عن تفاصيل كاملة للحزمة الثانية، غير أن الوزير أوضح أن بعض بنودها ستركز على رفع كفاءة منظومة رد ضريبة القيمة المضافة، بما يسرع من استرداد الممولين لحقوقهم الضريبية، فضلاً عن إدراج مجموعة من الحوافز للممولين الملتزمين ضريبيا لتشجيعهم على الاستمرار في الالتزام.
وفي هذا الإطار، أشارت رشا عبد العال رئيس مصلحة الضرائب المصرية إلى أن المصلحة تعمل حالياً على إعداد تصور متكامل للحزمة الجديدة، على أن يتم طرحه للحوار المجتمعي قبل التطبيق لضمان تحقيق أكبر قدر من التوافق والشمولية.
لا قوانين جديدة تتعلق بالتجاوز عن مقابل التأخير

وأكدت “عبد العال” أن الدولة لا تعتزم إصدار أي قوانين جديدة تتعلق بالتجاوز عن مقابل التأخير، مشددة على أن النظام المطبق حالياً كافٍ لتحقيق التوازن بين الدولة والممولين، وبينت أن الغرامات لن تتجاوز 100% من أصل الضريبة، وهو ما يضمن عدم إثقال كاهل الممولين.
وأضافت أن الاستراتيجية الحالية تركز على ثبات السياسة الضريبية وعدم تغيير سعر الضريبة، الأمر الذي يبعث برسالة طمأنة لمجتمع الأعمال، ويعزز الثقة في استقرار بيئة الاستثمار.
وأشارت إلى أن المصلحة تولي أهمية كبرى لضم الاقتصاد غير الرسمي إلى المنظومة الرسمية، بالاعتماد على المنظومات الإلكترونية الحديثة ومنظومة المخاطر، بما يسهم في توسيع قاعدة الممولين دون فرض أعباء إضافية على المستثمرين أو دافعي الضرائب الملتزمين.
ماذا تريد الحكومة من الحزمة الضريبية الجديدة؟
وتسعى الحكومة المصرية، في ضوء إطلاق الحزمة الثانية من التيسيرات، إلى رفع حصيلة الضرائب إلى نحو 2.6 تريليون جنيه خلال العام المالي الجاري، بزيادة تقارب 20% عن العام السابق.
ويأتي ذلك في إطار خطة أشمل تستهدف تعزيز الإيرادات العامة دون اللجوء إلى فرض ضرائب جديدة، بل عبر آليات تركز على تحسين الكفاءة، وتوسيع القاعدة الضريبية، وتحفيز الالتزام الطوعي.

وتمثل الحزمة الثانية من التيسيرات الضريبية خطوة جديدة في مسار الإصلاح المالي، إذ تجمع بين هدفين رئيسيين: زيادة حصيلة الإيرادات وتخفيف الأعباء عن الممولين الملتزمين.
ومع النجاح الكبير الذي حققته الحزمة الأولى، يترقب مجتمع الأعمال تفاصيل الحزمة الجديدة التي تعتزم الحكومة طرحها للحوار، وسط توقعات بأن تسهم في تعميق الثقة بين الدولة والممولين، وتعزيز استقرار بيئة الأعمال، بما يتماشى مع توجهات الحكومة نحو إصلاح هيكلي شامل ومستدام.
التعليقات